لا برَّ في الحبِّ يا أهلَ الهوى قسمي |
وَلاَ وَفَتْ لِلْعُلَى إِنْ خُنْتُكُمْ ذِمَمِي |
وإن صبوتُ إلى الأغيارِ بعدكمُ |
فَلاَ تَرَقَّتْ إِلى هَامَاتِهَا هِمَمِي |
وَإِنْ خَبَتْ نَارُ وَجْدِي بِالسُّلُوِّ فَلاَ |
وَرَّتْ زِنادِي وَلاَ أَجْرَى النُّهَى حِكَمِي |
ولا تعصفرَ لوني بالهوى كمداً |
إِنْ لَمْ يُوَرِّدْهُ دَمْعِي بَعْدَكُمْ بِدَمِي |
وَلاَ رَشَفْتُ الْحُمَيَّا مِنْ مَرَاشِفِهَا |
إِنْ كَانَ يَصْفُو فُؤَادِي بَعْدَ بُعْدِكُمِ |
وَلاَ تَلَذَّذْتُ فِي مُرِّ الْعَذَابِ بِكُمْ |
إِنْ كَانَ بَعْذُبُ إِلاَّ ذِكْرُكُمْ بِفَمِي |
خلعتُ في حبكم عذري فألبسني |
تجرّدي في هواكم خلعة َ السقمِ |
ما صرتُ بالحبِ بينَ الناسِ معرفة ً |
حتى تنكّرَ فيكم بالضّنى علمي |
لَقَدْ قَضَيْتُمْ بِظُلْمِ الْمُسْتَجِيرِ بِكُمْ |
وَيْلاَهُ مِنْ جَوْرِكُمْ يَا جِيرَة َ الْعَلَمِ |
أَمَا وَسُودِ لَيَالٍ في غَدَائِرِكُمْ |
طالت عليَّ فلم أصبح ولم أنمِ |
لولا قدودُ غوانيكم وأنملها |
ما هزَّ عطفي ذكرُ البانِ والعلمِ |
كلا ولولا الثنايا من مباسمكم |
ما شاقني بالثنايا بارقُ الظلمِ |
يَا جِيرَة َ الْبَانِ لابِنْتُمْ وَلاَ بَرِحَتْ |
تبكي عليكم سوراً أعينُ الدّيمِ |
ولا انجلى عنكمُ ليلُ الشبابِ ولا |
أفلتمُ يا بدورَ الحيِّ من إضمِ |
مَا أَحْرَمَ النَّوْمَ أَجْفَانِي وَحرَّمَهُ |
إلا تغيّبكم يا حاضري الحرمِ |
غِبْتُمْ فَغَيَّبْتُمُ صُبْحِي فَلَسْتُ أَرَى |
إلا بقايا ألمّت فيه من لممي |
صَبْراً عَلَى كُلِّ مُرٍّ في مَحَبَّتِكُمْ |
يا أملحَ الناسِ ما أحلى بكم ألمي |
رِفْقاً بِصَبٍّ غَدَتْ فِيكُمْ شَمَائِلُهُ |
مشمولة ً منذُ أخذِ العهدِ بالقدمِ |
حليفِ وجدٍ إذا هاجت بلابلهُ |
ناجى الحمامَ فداوى الغمَّ بالنَّغمِ |
يَشْكُو الظَّمَا فَإِذَا مَا مَرَّ ذِكْرُكُمُ |
أَنْسَاهُ ذِكْرَ وُرُودِ الْبَان وَالْعَلَمِ |
حَيُّ الْهَوَى مَيِّتُ السُّلْوَانِ ذُو كَبِدٍ |
مَوْجُودَة ٍ أَصْبَحتْ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ |
خَافَ الرَّدَى مُنْذُ جَرَّتْ سُودُ أَعْيُنِكُمْ |
بيضُ الظبى فاستجارت روحه بكمِ |
الله فيها فقد حلّت جواركمُ |
والبرُّ بالجارِ من مستحسنِ الشيمِ |
لمَّا إليكم ضلالُ الحبِّ أرشدها |
ظلَّت لديكم بظلِّ الضَّالِ والسّلمِ |
يا حبذا لكَ من عيشِ الشبيبة ِ والـ |
ـدَّهْرُ الْعَبُوسُ يُرِينَا وَجْهَ مُبْتَسِمِ |
فَيَا رَعَى اللهُ سُكَّانَ الْحِمَى وَحَمَى |
حيَّ الحجونِ وحيَّاهُ بمنسجمِ |
وَحَبَّذَا بِيضُ لَيْلاَتٍ بِسَفْحِ مِنى ً |
كانت قصاراً فطالت منذُ بينهمِ |
أَكْرِمْ بِهِمْ مِنْ سَرَاة ٍ في شَمَائِلِهِمْ |
قد صيَّروا كلَّ حرٍّ تحتَ رقِّهمِ |
رُمَاة ُ غُنْجٍ لأسْبَابِ الرَّدَى وُسِمُوا |
باسمِ السّهام وسمّوها بكحلهمِ |
صبحُ الوجوهِ مصابيحٌ تظنّهمُ |
زَرُّوا الْجُيُوبَ عَلَى أَقْمَارِ لَيْلِهِمِ |
إِذا اكْتَسَى اللَّيْلُ مِنْ لأْلاَئِهِمْ ذَهَباً |
أجرى السرابَ لجيناً فوقَ أرضهمِ |
كَأَنَّ أُمَّ نُجُومِ الأُفْقِ مَا وَلَدَتْ |
أنثى ولاذكراً إلا بحيّهمِ |
أو أنَّ نسرَ الدّجى بيضاتهُ سقطت |
لِلأْرْضِ فَاسْتَحْضَنَتْهَا في خُدُورِهِمِ |
لانت كلين القنا قاماتهم وحكت |
أَجْفَانُ بِيضِهمِ أَجْفَانَ بِيضِهِمِ |
تَقَسَّمَ الْبَأْسُ فِيهِمْ والْجَمَالُ مَعاً |
فَشَابَهَ الْقِرْنُ مِنْهُمْ قَرْنَ شَمْسِهِمِ |
تناطُ حمرُ المنايا في حمائلهم |
وسُورُهَا كائِنات في جفونِهِمِ |
مُفَلَّجَاتٌ ثَنَايَاهُمْ حَوَاجِبُهُمْ |
مقرونة ٌ بالمنايا في لحاظهمِ |
كُلُّ الْمَلاَحَة ِ جُزْءٌ مِنْ مَلاَحَتِهِمْ |
أصلُ كلِّ ظلامٍ من فرعهمِ |
وَأطُولَ ليلي وَوَيْلِي في ذَوَائِبِهِمِ |
وَرِقَّتِي وَنُحُو لي في خُصُورِهِمِ |
إنَّ النّفوسَ التي تقضي هوى ً وجوى ً |
فِيهِمْ لأَوْضَحُ عُذْراً مِنْ وجوهِهِمِ |
غُرٌّ عَنِ الدُّرِّ لَمْ تَفْضُلْ مَبَاسِمَهُمْ |
إلا سجايا رسولِ اللهِ ذي الكرمِ |
مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ الْهَادِي الْبَشِيرِ وَمَنْ |
لَوْلاَهُ في الْغَيِّ ضَلَّتْ سَائِرُ الأُمَمِ |
مُبَارَكُ الإِسْمِ مَيْمُونٌ مَآثِرُهُ |
عَمَّتْ فآثارُهَا بِالْغَوْرِ وَالأَكَمِ |
طَوْقُ الرِّسَالَة ِ تَاجُ الرُّسْلِ خَاتِمُهُمْ |
بَلْ زِينَة ٌ لِعِبَادِ اللهِ كُلِّهِمِ |
نورٌ بدا فاجلى همُّ القلوبِ بهِ |
وزالَ ما في وجوهِ الدّهرِ من غممِ |
لَوْ قَابَلَتْ مُقْلَة َ الْحِرْبَاءِ طَلْعَتُهُ |
ليلاً لردَّ إليها الطّرفَ وهوَ عمي |
تَشْفِي مِنَ الدَّاءِ والْبَلْوَاءِ نِعْمَتُهُ |
وَتَنْفُخُ الرُّوحَ في الْبَالِي مِنَ الرِّمَمِ |
كم أكمهٍ برئت عيناهُ إذ مسحت |
من كفّهِ ولكم بالسّيفِ قدُّ كمي |
وكم لهُ بسنينِ الشّهبِ عارفة ٌ |
قَدْ أَشْرَقَتْ في جِبَاهِ الأَلْيُلِ الدُّهُمِ |
لطفٌ من اللهِ لو خُصَّ النّسيمُ بما |
فِيهِ مِنَ اللُّطْفِ أَحْيَا مَيِّتَ النَّسَمِ |
على السّمواتِ فيهِ الأرضُ قد فخرت |
وَالْعُرْبُ قَدْ شَرُفَتْ فيهِ عَلَى الْعَجَمِ |
سرّت بمولدهِ أمُّ القرى فنشا |
في حجرها وهو طفلٌ بالغُ الحلمِ |
سيفٌ بهِ نسخُ التوراة ُ قد نُسخَت |
وآية ُ السَّيفِ تمحو آية َ القلمِ |
يَغْشَى الْعِدَا وَهْوَ بَسَّامٌ إِذَا عَبَسُوا |
والموتُ في ضحكات الصارمِ الخذمِ |
يفترُّ للضّربِ عن إيماضِ صاعقة ٍ |
وَلِلنَّدَى عَنْ وَمِيضِ الْعَارِضِ الرَّذِمِ |
إِذَا الْعَوَالِي عَلَيْهِ بِالْقَنَا اشْتَبَكَتْ |
ظَنَنْتَ فِي سَرْجِهِ ضِرْغَامَة َ الأُجُمِ |
قد جلَّ عن سائرِ التشبيهِ مرتبة ً |
إذ فوقهُ ليسَ إلا الله في العظمِ |
شَرِّفْ بِتُرْبَتِهِ الْعِرْنِينَ مُنْتَشِعاً |
فَشَمُّ تُرْبَتِهِ أَوْفَى مِنَ الشَّمَمِ |
هُوَ الْحَبِيبُ الَّذي جُنِّنْتُ فِيهِ هَوى ً |
يا لائمي في هواهُ كيفَ شئتَ لمِ |
أرى مماتي حياتي في محبّتهِ |
ومحنتي وشقائي أهنأ النّعمِ |
أَسْكَنْتُهُ بِجَنَانِي وَهْوَ جَنَّتُهُ |
فأثلجت فيه أحشائي على ضرمِ |
عَيْناً تُهَوِّمُ إِلاَّ بَعْدَ زَوْرَتِهِ |
عَدِمْتُهَا وَفُؤَاداً فِيهِ لَمْ يَهِمِ |
واهاً على جرعة ٍ من ماءِ طيبة َ لي |
يُبَلُّ في بَرْدِهَا قَلْبٌ إِليهِ ظَمِي |
للهِ روضة ُ قدسٍ عندَ منبرهِ |
تعدُّها الرُّسلُ من جنّاتِ عدنهمِ |
حَدِيقَة ٌ آسُهَا التَّسْبيحُ نَرْجِسُهَا |
وَسْنَى عُيُونِ السَّهَارَى في قِيَامِهِمِ |
تَبْدُو حَمَائِمُهَا لَيْلاً فَيُؤْنِسُهَا |
رَجْعُ الْمُصَلِّينَ في أَوْرَادِ ذِكْرِهِمِ |
قَدْ وَرَّدَتْ أَعْيُنُ الْبَاكِينَ سَاحَتَهَا |
ونوَّرت جوّها نيرانُ وجدهمِ |
كفى لأهلِ الهوى شبَّاكه شبكاً |
فكم بهِ طائراتٌ من قلوبهمِ |
نبيُّ صدقٍ بهِ غرُّ الملائكِ لا |
تَنْفَكُّ طَائِفَة ً مِنْ أَمْرِ رَبِّهِمِ |
وَالرُّسْلُ لَمْ تَأْتِهِ إِلاَّ لِتَكْسِبَ مِنْ |
سَنَاهُ أَقْمَارُهُمْ نُوراً لِتِمِّهمِ |
فِيهِ بَنُو هَاشِمٍ زَادُوا سَناً وَعُلاً |
فكانَ نوراً على نورٍ لشبهممِ |
أُصُولُ مَجْدٍ لَهُ في النَّصْرِ قَدْ ضَمِنُوا |
وُصُولَهُمْ للأعادِي فِي نُصُولِهِمِ |
زهرٌ إلى ماءِ علياءٍ بهِ انتسبوا |
أَمْسَوْا إِلَى الْبَدْرِ وافَى الشُّهْبَ بِالرُّجُم |
مَنْ مِثْلُهُمْ وَرَسُولُ اللهِ وَاسِطَة ٌ |
لِعِقْدِهِمْ وَسِرَاجٌ في بُيُوتِهِمِ |
ما زالَ فيهم شهابُ الطورِ متّقداً |
حتى تولّد شمساً من ظهورهمِ |
قد كان سراً فؤادٌ الغيبِ يضمرهُ |
فضاقَ عنهُ فأضحى غير مكتتمِ |
هواهُ ديني وإيماني ومعتقدي |
وحبُّ عترتهِ عوني ومعتصمي |
ذُرّيَّة ٌ مِثلُ مَاءِ الْمُزْنِ قَدْ طَهُرُوا |
وطهّروا فصفت أوصاف ذاتهمِ |
أَئِمَّة ٌ أَخَذَ اللهُ الْعُهُودَ لَهَمْ |
عَلَى جَمِيعِ الوَرَى مِنْ قَبْلِ خَلْقِهِمِ |
قَدْ حَقَّقَتْ سُورَة ُ الأحْزَابِ ما جَحَدَتْ |
أَعْدَاؤُهُمْ وَأَبَانَتْ وَجْهَ فَضْلِهِمِ |
كفاهمُ ما بعمى والضّحى شرفاً |
والنُّورِ والنَّجْمِ مِنْ آي أتَتْ بِهِمِ |
سلِ الحواميم هل في غيرها نزلت |
وهل أتى هل أتى إلّا بمدحهمِ |
أكارمٌ كرمت أخلاقهم فبدت |
مِثْلَ النُّجُومِ بِماءٍ في صَفَائِهِمِ |
أطايبٌ يجدُ المشتاقُ تربتهم |
ريحٌ تدلُّ على ذاتيِّ طيبهمِ |
كَأَنَّ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمنِ أَنْفُسَهُمْ |
مخلوقة ٌ فهو مطويٌّ بنشرهمِ |
يَدْرِي الْخَبِيرُ إذَا مَا خَاضَ عِلْمَهُمُ |
أيُّ البحورِ الجواري في صدورهمِ |
تَنَسَّكُوا وَهُمُ أُسْدٌ مُظَفَّرَة ٌ |
فاعجب لنسكٍ وفتكٍ في طباعهمِ |
عَلَى الْمَحَارِيبِ رُهْبَانٌ وإِنْ شَهِدُوا |
حَرْباً أَبَادُوا الأَعادِي في حِرَابِهِمِ |
أينَ البدورَ وإن تمَّت سنى ً وسمت |
مِنْ أَوْجُهٍ وَسَمُوهَا في سُجُودِهِمِ |
وأين ترتيلُ عقدِ الدّارِ من سورٍ |
قَدْ رَتَّلُوهَا قِيَاماً في خُشُوعِهِمِ |
إِذَا هَوَى عَيْنٍ تَسْنِيمٍ يَهُبُّ بِهِمْ |
تَدَفَّقَ الدَّمْعُ شَوْقاً مِنْ عُيُونِهِمِ |
قاموا الدّجى فتجافت عن مضاجعها |
جنوبهم وأطالوا هجرَ نومهمِ |
ذَاقُوا مِنَ الْحُبِّ رَاحاً بالنُّهَى مُزِجَتْ |
فأَدْرَكُوا الصَّحْوَ في حَالاَتِ سُكْرِهِمِ |
تبصّروا فقضوا نخباً وما قبضوا |
لذا يُعدُّون أحياءً لموتهمِ |
سيوفُ حقٍّ لدين الله قد نصروا |
لا يَطْهُرُ الرِّجْسُ إِلاَّ في حُدُودِهِمِ |
تالله ما الزهرُ غِبَّ القطرِ أحسنَ من |
زهرِ الخلائقِ منهم حينَ جودهمِ |
همُ وإياهُ ساداتي ومستندي الـ |
ـأَقْوَى وَكَعْبَة ُ إِسْلاَمِي وَمُسْتَلَمِي |
شُكْراً لآلاَءِ رَبِّي حَيْثُ أَلْهَمَنِي |
وَلاَهُمُ وَسَقَانِي كَأْسَ حُبِّهِمِ |
لقد تشرّفتُ فيهم محتِداً وكفى |
فخراً بأنّي فرعاً من أصولهمِ |
أَصبحْتُ أُعْزَى إِلَيْهِمْ بِالنِّجَارِ عَلَى |
أَنَّ اعْتِقَادِيَ أَنِّي مِنْ عَبِيدِهِمِ |
يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ خُذْ بِيَدِي |
فَقَدْ تَحَمَّلْتُ عِبْئاً فِيهِ لَمْ أَقُمِ |
أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِمَّا قَدْ جَنَيْتُ عَلَى |
ويا خجلي منهُ ويا ندمي |
إن لم تكن لي شفيعاً في المعادِ |
فمن يجيرني من عذابِ الله والنّقمِ |
مولايَ دعوة ُ محتاجٍ لنصرتكم |
مِمَّا يَسُوءُ وَمَا يُفْضِي إِلَى التُّهَمِ |
تَبْلَى عِظَامِي وَفِيهَا مِن مَوَدَّتِكُمْ |
هوً مقيمٌ وشوقٌ غيرُ منصرمِ |
مَا مَرَّ ذِكْرُكمُ إِلاَّ وَالْزَمَنِي |
نَثْرَ الدُّمُوعِ وَنَظْمَ الْمَدْحِ في كَلِمِي |
عليكم صلواتُ اللهِ ما سكرت |
أرواحُ أهلِ التُّقى في راح ذكرهمِ |