لئن ثلمتْ حدّي صُروفُ النّوائبِ |
فقدَ أخلصتْ سبَكي بنارِ التَداربِ |
وفي الأدبِ الباقي، الذي قد وهبنَني |
عَزاءٌ مِنَ الأموالِ عن كلِّ ذاهبِ |
فكَم غايَة ٍ أدركتها غير جاهدٍ |
وكَم رتبة ٍ قد نلْتُها غيرَ طالبِ |
وما كلّ وانٍ في الطِّلابِ بمُخطىء ٍ |
ولا كلّ ماضٍ في الأمورِ بصائبِ |
سمَتْ بي إلى العَلياء نَفسٌ أبيّة ٌ |
تَرى أقبحَ الأشياءِ أخذَ المواهبِ |
بعزمٍ يريني ما أمامَ مطالبي، |
وحزم يُريني ما وراءَ العَواقبِ |
وما عابَني جاري سوى أنّ حاجَتي |
أُكَلفُها مِنْ دونِهِ للأجانِبِ |
وإنّ نَوالي في المُلِمّاتِ واصِلٌ |
أباعِدَ أهلِ الحيّ قبلَ الأقاربِ |
ولَيسَ حَسودٌ يَنْشُرُ الفَضلَ عائباً |
ولكنّهُ مُغرًى بِعَدّ المَناقبِ |
وما الجودُ إلاّ حلية ٌ مُستجادَة ٌ، |
إذا ظَهَرَتْ أخفَتْ وُجوهَ المَعائبِ |
لقد هَذّبَتني يَقظَة ُ الرّأيِ والنُّهَى |
إذا هَذّبتْ غَيري ضروبُ التجارِبِ |
وأكسَبَني قَومي وأعيانُ مَعشَري |
حِفاظَ المَعالي وابتذالَ الرّغائِبِ |
سَراة ٌ يُقِرُّ الحاسدونَ بفَضلِهِم |
كِرامُ السّجايا والعُلى والمناصِبِ |
إذا جَلَسوا كانوا صُدورَ مَجَالسٍ |
وإنْ رَكِبوا كانوا صُدورَ مَواكِبِ |
أسودٌ تغانتْ بالقَنا عن عَرينِها، |
وبالبيضِ عن أنيابِها والمخالِبِ |
يجودونَ للرّاجي بكلّ نفيسة ٍ |
لديهِمْ سوى أعراضِهِم والمنَاقِبِ |
إذا نَزَلوا بطنَ الوِهَادِ لغامِضٍ |
من القَصدِ، أذكوا نارَهم بالمناكِبِ |
وإن ركَزُوا غِبّ الطّعانِ رِماحَهُمْ |
رأيتَ رؤوسَ الأُسدِ فوقَ الثّعالِبِ |
فأصبَحتُ أفني ما ملكتُ لأقتَني |
به الشّكرَ كَسباً وهوَ أسنى المكاسِبِ |
وأرهنُ قولي عن فِعالي كأنّهُ |
عَصا الحارثِ الدُّعمي أو قوس حاجبِ |
ومن يكُ مثلي كاملَ النفسِ يغتَدي |
قليلاً مُعادِيه كثيرَ المُصاحِبِ |
فَما للعِدى دَبّتْ أراقِمُ كَيدِهمْ |
إليّ، وما دَبّتْ إليَهِمْ عقَارِبي |
وما بالُهُمْ عَدّوا ذُنُوبي كَثيرَة ً |
وماليَ ذَنبٌ غَيرَ نَصرِ أقارِبي |
وإنّي ليُدمي قائمُ السّيفِ راحَتي |
إذا دَمِيَتْ منهم حدُودُ الكَواعِبِ |
وما كلّ مَن هَزّ الحُسامَ بضارِبٍ. |
ولا كلّ مَن أجرَى اليَراعَ بكاتِبِ |
وما زِلتُ فيهِم مثلَ قِدحِ ابن مُقبلٍ |
بتسعينَ أمسَى فائزاً غَيرَ خائِبِ |
فإنْ كَلّموا مِنّا الجُسومَ، فإنّها |
فُلُولُ سيوفٍ ما نبَتْ في المَضارِبِ |
وما عابَني أنْ كلّمتني سيوفُهمْ |
إذا ما نَبَتْ عنّي سيوفُ المَثالِبِ |
ولمّا أبَتْ إلاّ نِزالاً كُماتُهُمْ |
درأتُ بمُهري في صُدورِ المقَانِبِ |
فَعَلّمتُ شَمّ الأرضِ شُمّ أُنوفِهِمْ، |
وعودتُ ثغرَ التربِ لثمَ التَرائبِ |
بطرفٍ، علا في قَبضهِ الريحث، سابح، |
لهُ أربْعٌ تَحكي أناملَ حاسِبِ، |
تلاعبَ أثناءَ الحُسامِ مزاحُهُ، |
وفي الكريبدي كرة ً غيرَ لاعبِ |
ومَسرودَة ٍ من نَسجِ داودَ نَثرَة ٍ |
كلمعِ غديرٍ، ماؤهُ غيرُ ذائبِ |
وأسمَرَ مَهزوزِ المَعاطفِ ذابِلٍ، |
وأبيَضَ مَسنونِ الغِرارينِ قاضِبِ |
إذا صَدَفَتهُ العَينُ أبدَى تَوقَّداً، |
كأنّ على متنيهِ نارَ الحباجبِ |
ثنى حَدَّهُ فَرطُ الضُرابِ، فلم يزَل |
حديدَ فِرِندِ المَتنِ رَثّ المَضارِبِ |
صدعتُ بهِ هامَ الخطوبِ فرعنَها |
بأفضَلِ مَضُروبٍ وأفضَلِ ضارِبِ |
وصفراءِ من روقِ الأراوي نحيفة ٍ، |
غذا جذبتْ صرتْ صريرَ الجنادِبِ |
لها وَلَدٌ بَعدَ الفِطامِ رَضاعُهُ |
يسر عقوقاً رفضُهُ غيرُ واجِبِ |
إذا قرّبَ الرّامي إلى فيهِ نحرَهُ |
سعَى نحوَهُ بالقَسرِ سعيَ مجانبِ |
فيُقبِلُ في بُطْء كخُطوَة ِ سارِقٍ، |
ويدبرُ في جريٍ كركضة ِ هاربِ |
هناكَ فجأتُ الكَبشَ منهمْ بضَرْبَة ٍ |
فرَقْتُ بها بَينَ الحَشَى والتّرائبِ |
لدَى وقعَة ٍ لا يُقرَعُ السمعُ بينَها |
بغيرِ انتدابِ الشُّوسِ أو ندبِ نادِبِ |
فقُلْ للذي ظَنْ الكِتابة َ غايَتي، |
ولا فَضلَ لي بينَ القَنا والقَواضِبِ |
بحدّ يَراعي أمّ حُسامي علَوتُهُ، |
وبالكتُبِ أردَيناهُ أمْ بالكتَائِبِ |
وكم لَيلَة ٍ خُضتُ الدُّجى ، وسماؤهُ |
مُعَطَّلَة ٌ من حَلْيِ دُرّ الكَواكِبِ |
سريَتُ بها، والجَوُّ بالسُّحبِ مُقتِمٌ، |
فلمّا تبَدّى النَجمُ قلتُ لصاحبي: |
اصاحِ ترى برقاً أريكَ وميضَهُ |
يُضيءُ سَناهُ أم مَصابيحَ راهِبِ |
بحَرْفٍ حكَى الحَرفَ المُفخَّمَ صَوتُها |
سليلَة ِ نُجبٍ أُلحِقَتْ بنَجائبِ |
تعافُ ورودَ الماءِ إن سَبَقَ القَطا |
إليهِ، وما أمّتْ بهِ في المشاربِ |
قطعتُ بها خوفَ الهوانِ سباسباً، |
إذا قلتُ تمّتْ أردَفَتْ بسبَاسبِ |
يسامرني في الفِكرِ كلُّ بديعة ٍ |
مُنَزَّهَة ِ الألفاظِ عن قَدحِ عائبِ |
يُنَزّلُها الشّادونَ في نَغَماتِهِمْ، |
وتحدو بها طوراً حُداة ُ الركائبِ |
فأدركتُ ما أمّلْتُ من طَلبِ العُلا، |
ونزهتُ نفسي عن طِلابِ المواهبٍ |
ونِلتُ بها سُؤلي منَ العِزّ لا الغِنَى ، |
وما عُدّ مَن عافَ الهِباتِ بخائِبٍ |